فصل: كِتَابُ الزَّكَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الزَّكَاةِ:

(الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ، الْعَاقِلِ، الْبَالِغِ، الْمُسْلِمِ، إذَا مَلَكَ نِصَابًا مِلْكًا تَامًّا، وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ).
أُمًّا الْوُجُوبُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ، لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ كَمَالَ الْمِلْكِ بِهَا، وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِمَا نَذْكُرُهُ، وَالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْعِبَادَةُ مِنْ الْكَافِرِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ مِلْكِ مِقْدَارِ النِّصَابِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرُ السَّبَبِ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا النَّمَاءُ، وَقَدَّرَهَا الشَّرْعُ بِالْحَوْلِ.
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَلِأَنَّهُ الْمُتَمَكِّنُ بِهِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْغَالِبُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ فِيهَا، فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قِيلَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّهُ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ: عَلَى التَّرَاخِي، لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ.
الشرح:
كِتَابُ الزَّكَاةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُونَ جَنَّةَ رَبِّكُمْ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي أُمَامَةَ: مُنْذُ كَمْ سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً»، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْإِيمَانِ، وَغَيْرِه، قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَحَادِيثَ لِسُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، وَسَائِرُ رُوَاتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَقْدِسِيَّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «أَخْلِصُوا عِبَادَةَ رَبِّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ»، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
فِيهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى الْيَمَنِ، وَفِيهِ: «فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَحَدِيثُ ضِمَامَ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَفِيهِ: قَالَ: «أَنْشُدُك بِاَللَّهِ، اللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتُقَسِّمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثُ جَبْرَائِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ؟، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، قَالَ: فَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ» الْحَدِيثَ.
وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ، وَفِيهِ: قَالَ، وَذَكَرَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الزَّكَاةَ: «فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟، قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوُّعَ»، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ، وَحَدِيثُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ، سَيَأْتِي آخِرَ الْكِتَابِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ مِلْكِ النِّصَابِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ.
قُلْت: مِنْ شَوَاهِدِ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ يَعْنِي فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهَا ذَلِكَ، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، انْتَهَى.
وَفِيهِ عَاصِمٌ، وَالْحَارِثُ فَعَاصِمٌ وَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ عَدِيٍّ، فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى.
وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ ضَعْفُ الْحَارِثِ لِمُتَابَعَةِ عَاصِمٍ لَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ وَهْبٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ، فَقَرَنَ أَبُو إِسْحَاقَ فِيهِ بَيْنَ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ، يُجَوِّزُ عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْحَارِثَ أَسْنَدَهُ، وَعَاصِمٌ لَمْ يُسْنِدْهُ، فَجَمَعَهُمَا جَرِيرٌ، وَأَدْخَلَ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَكُلٌّ ثِقَةٌ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، فَلَوْ أَنَّ جَرِيرًا أَسْنَدَهُ عَنْ عَاصِمٍ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَخَذْنَا بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ جَرِيرًا ثِقَةٌ، وَقَدْ أَسْنَدَ عَنْهُمَا، انْتَهَى.
وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» انْتَهَى.
وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، انْتَهَى.
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ مُعْتَمِرٌ.
وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَرَفَعَهُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَأَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ مَوْقُوفًا عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْنَدِهِ مَوْقُوفًا كَذَلِكَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ بِلَفْظِ: «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، انْتَهَى ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: حَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، كَذَا قَالَهُ عَنْهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَشُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَغَيْرُهُمْ.
وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَسَّانَ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِحَسَّانَ بْنِ سِيَاهٍ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ ثَابِتٍ غَيْرَهُ، انْتَهَى.
وَحَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، لِمَا ظَهَرَ مِنْ خَطَئِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ صَلَاحِهِ. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، انْتَهَى.
وَحَارِثَةُ هَذَا ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ مِمَّنْ كَثُرَ وَهْمُهُ، وَفَحُشَ خَطَؤُهُ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: تَعَلَّقَ الْخَصْمُ، وَهُوَ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمَالِكٌ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَوْقُوفًا.
(وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: هِيَ غَرَامَةٌ مَالِيَّةٌ، فَتُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْمُؤَنِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ.
وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ، وَلَا اخْتِيَارَ لَهُمَا لِعَدَمِ الْعَقْلِ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْغَالِبُ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ.
وَلَوْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إفَاقَتِهِ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فِي الصَّوْمِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْحَوْلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ، بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَحَادِيثُ زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ الصَّغِيرِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، لِأَنَّ الْمُثَنَّى يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ: مَهْمَا سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَنَا مِنْدَلٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ. انْتَهَى.
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ ضَعِيفٌ، وَمِنْدَلٌ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، وَيُسْنِدُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، فَلَمَّا فَحُشَ ذَلِكَ مِنْهُ، اسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ، لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عِنْدِي بِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَخْلُو مِنْ إرْسَالٍ، أَوْ انْقِطَاعٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِذَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَأَرَادَ بِجَدِّهِ مُحَمَّدًا، فَمُحَمَّدٌ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ اللَّهِ، فَشُعَيْبٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: النَّاسُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَوْثِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ رَاهْوَيْهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، فَمَنْ النَّاسُ بَعْدَهُمْ؟
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ خَطَأٌ، وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْعُدُولِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: يَا شُعَيْبُ امْضِ مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَدُّهُ الْأَدْنَى مُحَمَّدٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدُّهُ الْأَعْلَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شُعَيْبٌ، وَجَدُّهُ الْأَوْسَطُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ، فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ جَدَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَمْرًا، فَيَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ مُرْسَلًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْحَدِيثُ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ الْإِرْسَالِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ سَمَّى فِيهِ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَسَلِمَ مِنْ الْإِرْسَالِ، عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ: لَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ الظَّاهِرَةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيّ ثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ ثَنَا شَجَرَةُ بْنُ عِيسَى الْمَعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ» انْتَهَى.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ صَلْتٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ أَبَا رَافِعٍ أَرْضًا، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو رَافِعٍ بَاعَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِثَمَانِينَ أَلْفًا، فَدَفَعَهَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَانَ يُزَكِّيهَا، فَلَمَّا قَبَضَهَا وَلَدُ أَبِي رَافِعٍ عَدُّوا مَا لَهُمْ، فَوَجَدُوهَا نَاقِصَةً، فَسَأَلُوا عَلِيًّا، فَقَالَ: أَحَسَبْتُمْ زَكَاتَهَا؟ قَالُوا: لَا، فَحَسَبُوا زَكَاتَهَا، فَوَجَدُوهَا سَوَاءً، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدِي مَالٌ لَا أُزَكِّيهِ»؟ انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَشْعَثَ: وَقَالَا: عَنْ أَبِي رَافِعٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي، وَأَخًا لِي يَتِيمًا فِي حِجْرِهَا، وَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّإِ، كَمَا تَرَاهُ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ابْتَغَوْا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ عُمَرَ.
ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا مِحْجَنٍ، أَوْ ابْنَ مِحْجَنٍ وَكَانَ خَادِمًا لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: قَدِمَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ مَتْجَرُ أَرْضِك، فَإِنَّ عِنْدِي مَالُ يَتِيمٍ، قَدْ كَادَتْ الزَّكَاةُ تُفْنِيهِ، قَالَ: فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، قَالَ: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا مَحْفُوظٌ.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، فِي الَّذِي يَلِي الْيَتِيمَ، قَالَ: يُعْطِي زَكَاتَهُ. انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْأَصْحَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَحَمَّادُ الْأَوَّلُ: هُوَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ الثَّانِي: هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ قَلَمُ الْإِثْمِ، أَوْ قَلَمُ الْأَدَاءِ. انْتَهَى.
وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلْيُحْصِ عَلَيْهِ السِّنِينَ، وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ أَخْبَرَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنْ شَاءَ زَكَّى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا أَثَرٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِإِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ يَعْنِي لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ لَكِنْ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ، فَكَانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمِ بْنِ زَنِيمٍ اللَّيْثِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ بِخَطِّهِ، فَقَالَ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ لَيْسَ هُوَ ابْنَ زَنِيمٍ اللَّيْثِيَّ، فَرَّقَهُمَا إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كُتُبِهِمْ، وَابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قُرَشِيٌّ: مَوْلَاهُمْ، وَاللَّيْثِيُّ إنَّمَا هُوَ ابْنُ زَنِيمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ، نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ.
(وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَجِبُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ تَامٍّ.
وَلَنَا أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) لِفَرَاغِهِ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ، لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الثَّانِي عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ، لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا وَهُوَ الْإِمَامُ فِي السَّوَائِمِ وَنَائِبُهُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ.
(وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا وَآلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ، لِمَا قُلْنَا.
(وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ سِنِينَ ثُمَّ قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يُزَكِّهِ لِمَا مَضَى) مَعْنَاهُ صَارَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَالِ الضِّمَارِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ: الْمَالُ الْمَفْقُودُ، وَالْآبِقُ، وَالضَّالُّ، وَالْمَغْصُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَالْمَالُ السَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ، وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً، وَوُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِسَبَبِ الْآبِقِ، وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، لَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ، وَفَوَاتُ الْيَدِ غَيْرُ مُخْلٍ بِالْوُجُوبِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَابْنُ السَّبِيلِ يَقْدِرُ بِنَائِبِهِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ أَوْ كَرْمٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ، لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفَلِّسٍ فَهُوَ نِصَابٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ، لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ بِالتَّفْلِيسِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ، رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ.
قُلْت: غَرِيبٌ.
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَةِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إذَا حَضَرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ أَدَّى عَنْ كُلِّ مَالٍ، وَعَنْ كُلِّ دَيْنٍ، إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ ضِمَارًا لَا يَرْجُوهُ، انْتَهَى.
وَرَوَى مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ، وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ، لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ، أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا زَكَاةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا، قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الضِّمَارُ: الْمَحْبُوسُ عَنْ صَاحِبِهِ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمَامِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ أَيُّوبَ وَعُمَرَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَخَذَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَالَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الرَّقَّةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَائِشَةَ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَاهُ وَلَدُهُ، فَرَفَعُوا مَظْلَمَتَهُمْ إلَيْهِ فَكَتَبَ إلَى مَيْمُونٍ: أَنْ ادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَخُذُوا زَكَاةَ عَامِهِمْ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مَالًا ضِمَارًا أَخَذْنَا مِنْهُ زَكَاةَ مَا مَضَى، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ ذَلِكَ الْعَامِ، انْتَهَى.
(وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهَا لِلْخِدْمَةِ بَطَلَتْ عَنْهَا الزَّكَاةُ) لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ تَرْكُ التِّجَارَةِ (وَإِنْ نَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ، إذْ هُوَ لَمْ يَتَّجِرْ فَلَمْ تُعْتَبَرْ، وَلِهَذَا يَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَلَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا إلَّا بِالسَّفَرِ (وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَرِثَ وَنَوَى التِّجَارَةَ) لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ مِنْهُ، وَلَوْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِاقْتِرَانِهَا بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْ عَمَلَ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ أَوْ مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الِاقْتِرَانُ، إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتَفَى بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ.
(وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَا يَنْوِي الزَّكَاةَ سَقَطَ فَرْضُهَا عَنْهُ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْهُ، فَكَانَ مُتَعَيِّنًا فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ (وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ النِّصَابِ سَقَطَ زَكَاةُ الْمُؤَدِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَسْقُطُ) لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.